عندما يتحوّل لقاء الشّاب والشّابة إلى علاقة حقيقيّة، وتبدأ هذه العلاقة بالنّمو مع مرور الأيّام وتخضع للفحص والاختبار، يأتي يوم حين يصبح فيه من الضّروري أن تأخذ هذه العلاقة شكلها الرّسمي بإتمام الخطوبة.
الخطوبة فرصة:
تمثّل الخطوبة في المقام الأول، فرصة جيّدة متاحة للخطيبين لاستكمال الاختبار المتأنّي لشخصيّة كلّ منهما في وضع جديد فيه نوع من التّركيز والخصوصيّة. فالخطوبة ليست مجرّد شكل رسمي أو إجراء روتيني، إنّما هي صورة مصغّرة وبدائية عن الحياة الزّوجية (مع الاحتفاظ بخصوصيّة العلاقة الزّوجيّة)، وخلال الخطوبة يجب أن يَعي الخطيبان أنّ هذه الفترة هي فترة التّخاطب، إنّها فرصة لكي يتعرّف كلّ منهما على الآخر، فكلّما اقترب اثنان من بعضهما كلّما ازداد الاحتكاك وبالتّالي ظهرت عيوب ومحاسن الشّخصية. من هنا يُنصَح خلال فترة الخطوبة أن يستغلّ الخطيبان أوقات لقائهما معاً في التّعرُّف على بعضهما أكثر، ما الذي يحبّه/تحبّه، ما الذي يهتمّ به/تهتمّ به، ما الذي يزعجه/يزعجها، هل يحبّ الأطفال/تحبّ الأطفال، هل يحبّ/تحبّ الاحتكاك بالنّاس والعلاقات الاجتماعيّة وإلى أيّ مدى. أيضاً ممكن الاتّفاق على الأمور الماليّة، الاتّفاق على من سيكون المسؤول عن ميزانيّة المنزل ومصروفاته. لذلك على الخطيبين اغتنام فرصة التّقارب في الآراء والتّوافق في الفكر حول دور كلٍّ منهما في الحياة الزّوجيّة.
الخطوبة ومشاعر الارتباط:
أيضاً فترة الخطوبة تهيّء الفرصة لنمو مشاعر الارتباط، وحريّة التّعامل بمفهوم الـ"نحن" مع شريك المستقبل. فالخطوبة إعلان عام وعلني أنّ الشّخص قد ارتبط وربط مصيره بمصير شخص آخر، وهنا تكمن أهميّة الخطوبة في هذه النّقطة، إذ لابدّ أن يعي كلّ من الخطيبين أنّه لم يعُد مستقلاًّ، إنّما هناك شريك المستقبل لابدّ أن يضعه في الحسبان في كلّ وقت. لذلك كَون فترة الخطوبة ذات فائدة يجب أن يفحص كلّ طرف مدى تفكيره بالآخر ووضعه في الحسبان، فإلى أيّ مدى يفكّر الخطيب بمشاركة خطيبته بقرارات سوف يتّخذها لها علاقة بمستقبلهما الزّوجي، وإلى مدى ممكن أن تفكّر الخطيبة بخطيبها وهي تريد ممارسة أيّ نشاط اجتماعي عامّ لوحدها. إذاً التّفكير الآن، في فترة الخطوبة، أصبح "نحن" وليس "أنا"، قد يقول أحد الخطيبين أنا حرّ فيما أفعله، لكن يجب ألاّ ينسى/تنسى أنّه مسؤول تجاه شريك المستقبل.
فترة الخطوبة:
يتساءل البعض: هل هناك شروط معيّنة خاصّة بالخطوبة وبالفترة الزّمنيّة لها؟ هنا مرّة أُخرى، الأهمّ هو الاهتمام بالتّوافق بين الخطيبين. وانطلاقاً من هذه النّقطة لا يُنصَح بفترة خطوبة قصيرة لأنّها لا تكون كافية لتحقيق هذا التّوافق والمعرفة المطلوبة. أيضاً لا يُنصَح بطول فترة الخطوبة لأكثر من سنة (في رأيي)، لأنّ فترة الخطوبة تترافق بصعوبات وضغوطات، منها ضغوط اجتماعيّة ومنها ضغوط الأهل ومنها ضغوط عاطفية، إذ يبدأ الخطيبان بطلب درجة أعمق من التّعبيرات العاطفيّة والجنسيّة التي سوف تعيقهما عن الاهتمام بالتّعارف العميق والتّوافق بينهما.
هناك بعض الملاحظات خاصّة بالتّعامل في فترة الخطوبة، فهذا الرّابط الرّسمي بين الخطيبين تحكمه سلوكيّات لابدّ أن تراعي المجتمع الذي يعيش فيه الخطيبين، وهي تختلف من مجتمع لآخر ومن أُسرة لأُخرى، لذا على الخطيبين معرفة مجتمعهما وأسرتيهما ومراعاة سلوكيّاتهما وفق ذلك.
أيضاً بسبب العواطف الجيّاشة التي تصاحب فترة الخطوبة ينسى الخطيبان الاهتمام بهدف الخطوبة، ويكتفيان بالمشاعر والعواطف فقط. عند هذه النّقطة لابدّ من الاهتمام والانتباه إلى موضوع العلاقة الجنسيّة، فعلى الخطيبين ضبط النّفْس والانتباه إلى عدم ممارسة الجنس أو التّمادي بالتّعبيرات الجسديّة عن حبّهما نحو بعضهما، لأنّ ذلك له آثار سلبيّة على مشاعرهما وأفكارهما نحو بعضهما بعد الزّواج.
تأجج العواطف في فترة الخطوبة:
هناك بعض حالات الخطوبة قد لا تستمرّ، وهنا تكون العلاقة الجنسيّة عبارة عن إساءة عميقة نحو بعضهما البعض وخبرة جارحة لمشاعرهما (خاصّة الفتاة). فكلّما اهتمّ الخطيبان بالرّغبة في معرفة بعضهما أكثر ومحاولة السّعي نحو تقارب الأفكار والآراء، كلّما استطاعا تأجيل تأجّجهما العاطفي والتّعبيرات الجسديّة إلى فترة الزّواج، وبالتّالي الاستمتاع بها في وقتها الصّحيح.
عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة. الخطوبة فترة مميّزة في حياة الإنسان، إنّها فرصة ذهبيّة لاستمرار الحياة الزّوجيّة، إنّها فترة زرع لحصاد وفير في الزّواج (ما يزرعه الإنسان إيّاه يحصد).
إنّها فترة مميّزة بالحياة المشتركة في الآراء والأفكار، مميّزة في العواطف الصّادقة الجميلة التي تنتظر وتتوقّع مستقبل جميل، مميّزة بمسؤوليّتها التي تعمل على إنضاج شخصيّة الخطيبين استعداداً لارتباط لا يفرّقه إلاّ الموت.
كلمة أخيرة،
- إصبر مهما كانت الضّغوطات والصّعوبات، وضَعْ اتّكالك على الله وحده كي يُنجّح حياتك.
- إذا لم يحصل تغيير في الشّخصية أو السّلوكيات وإذا وجدتَ أنّ شريكك لا يتمتّع بالصّفات التي تتمنّاها، فلا تقع في فخّ أنّ الأمور ستتغيّر بعد الزّواج.
- قِف بجرأة ولا تستمرّ بالخطوبة، فما تعيشه وتراه وتختبره في الخطوبة سيستمرّ بعد الزّواج.
- لا تخف من الوقوف وعدم الاستمرار في الخطوبة، لأنّ النّتائج في الزّواج ستكون مدمِّرة في حال الاستمرار بخطوبة أظهرت عيوب هذا الارتباط.